لماذا تحظى أسعار الفائدة بهده الأهمية؟
لماذا تحظى أسعار الفائدة بهده الأهمية؟
أسعار الفائدة— والفرق النسبي في أسعار الفائدة بين البلدان، والتوقعات بحدوث تغييرات في أسعار الفائدة— هي العامل الأكثر أهمية عند تداول الفوركس.
يجب النظر إلى كافة البيانات في سوق الفوركس بعين واحدة تسعى للتعرف على الكيفية التي ستؤثر بها هذه البيانات على أسعار الفائدة. كي نكون أكثر دقة، سيتعين عليك معرفة الطريقة التي ينظر بها البنك المركزي إلى كافة البيانات الاقتصادية. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يضطلع الاحتياطي الفيدرالي بمهمة مزدوجة هي السيطرة على التضخم وتعزيز فرص العمل. ولهذا نركز عند متابعة البيانات الأمريكية على تقرير التوظيف بالقطاع غير الزراعي وكذلك مؤشر أسعار المستهلكين. على الجانب الآخر من الأطلنطي، في منطقة اليورو، لا يعتبر البنك المركزي الأوروبي مسئولاً عن زيادة معدلات التوظيف. ولهذا يمكن أن يصل معدل البطالة مثلاً إلى 30% أو أكثر في بعض البلدان، كما حدث بالفعل خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2014، ومع ذلك لا نتوقع ردة فعل من جانب المركزي الأوروبي للتعامل مع هذه الأرقام المرعبة.
النموذج المعياري
يفترض النموذج التقليدي لاقتصاد السوق الحرة وجود سعر فائدة مثالي من شأنه إحداث التوازن بين معدلات النمو والتضخم. لا ترتفع الأسعار بوتيرة كبيرة عندما يتراجع النمو الاقتصادي نتيجة ضعف الطلب، ولهذا تلجأ البنوك المركزية إلى قطع أسعار الفائدة بهدف تحفيز معدلات الإنتاج لدى الشركات التي تحتاج إلى الاقتراض وكذلك تحفيز المدخرين على ضخ أموالهم لتلك الشركات— تساعد أسعار الفائدة المنخفضة المقترضين على زيادة الأموال التي يمكنهم الحصول عليها كما تعد حافز مثبط يدفع المدخرين إلى التخلي عن اكتناز الأموال. إذا نجحت أسعار الفائدة المنخفضة في دفع معدلات النمو فإنها قد تساعد أيضاً على زيادة معدلات التضخم بشرط اقتراب الاقتصاد من التشغيل الكامل لكافة الطاقات الفائضة.
تلجأ البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة في حالتين:
- انخفاض معدلات النمو مصحوباً بارتفاع أو تزايد فجوة الإنتاج (طاقة فائضة)
- انخفاض التضخم
قد يثور تساؤل هنا يتعلق بالفترة التي شهدت فيها منطقة اليورو تباطؤ في معدلات النمو والتضخم عن السبب الذي دفع البنك المركزي الأوروبي إلى الامتناع عن خفض أسعار الفائدة أو اتخاذ إجراءات تحفيزية أخرى خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2014 حتى برغم السياسات التوسعية التي لجأت إليها البنوك المركزية في كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا؟ الإجابة هو أن المركزي الأوروبي لم يقبل حقيقة أن تدني معدلات التضخم (والتي تراوحت بين 0.5-0.7% مقابل المستوى المستهدف 2%) كان اتجاه حقيقي ومستمر في ذلك الوقت. رأى البنك المركزي الأوروبي أن هذا الانخفاض مجرد انحراف ثانوي سيتم تصحيحه تلقائياً.
يلجأ البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة عندما يواجه الاقتصاد:
- معدلات نمو قوية وقادرة على سد فجوة الإنتاج (ارتفاع معدل التشغيل)
- ارتفاع التضخم
من المفترض أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى كبح نشاط المنتجين والذين بحاجة إلى اقتراض الأموال لمواصلة الإنتاج، كما يقتطع جزء من القوة الشرائية لدى المصنعين والمستهلكين على حد سواء. إذا كنت قد حصلت على تمويل عقاري أو قرض ببطاقة الائتمان بسعر فائدة قابل للتعديل فإن الرفع الفوري لرسوم سعر الفائدة سيؤدي إلى تقليص قدرتك على شراء السلع والمنتجات الأخرى.
يرى العديد من المحللين أن هذا النموذج يستدعي أن نركز انتباهنا في البيانات الأساسية التي نتابعها على مؤشرات معينة مثل متانة سوق الإسكان، مستويات مديونية المستهلكين، نمو الأجور والإنتاجية، البطالة وأسعار السلع ومكاسب سوق الأسهم (والتي تؤثر بشكل كبير على الثروة الشخصية للأشخاص الذين لديهم محافظ استثمارية في الأسهم، حيث تؤدي الارتفاعات في أسعار الأسهم إلى إحساسهم بأنهم أصبحوا أكثر ثراءً وبالتالي يزيد إنفاقهم على السلع والخدمات الاستهلاكية بما في ذلك شراء مساكن إضافية). وبرغم إمكانية رسم خطوط بيانية تربط بين هذه المتغيرات الاقتصادية والتغييرات التي تجريها البنوك المركزية في أسعار الفائدة، على الأقل من الناحية العملية، إلا أن البنوك المركزية تحرص دائماً على ألا يتشتت ذهنها ببعض البيانات الثانوية مثل تضخم أسعار المنازل أو حدوث فقاعات في أسواق السلع أو الأسهم. لا يشعر الكثير من أعضاء لجان السياسة النقدية في البنوك المركزية بالقلق حيال تحفيز أسعار الفائدة المتدنية لفقاعات سعرية في بعض فئات الأصول. وبشكل عام، لا يهدف البنك المركزي إلى إدارة الأسواق بغض النظر عن وجود فقاعات سعرية من عدمه، بل يركز على إدارة السياسة النقدية للتحكم في سلوك المنتجين والمستهلكين. كان هذا هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى تغافل معظم الاقتصاديين والبنوك المركزية عن المخاطر التي كانت تحيق بالاقتصاد الأمريكي والعالمي جراء انهيار سوق الإسكان في 2007-2009.
الاستثمارات الأجنبية
لاحظ أن النموذج المعياري الذي تعرضنا له لا يفترض وجود نشاط خارج حدود البلد الذي يدير البنك المركزي سياسته النقدية. ولهذا يعمل النموذج بطريقة صحيحة طالما لدينا سعر صرف ثابت وضوابط تقيد حركة رؤوس الأموال عبر الحدود.
ولكن من الواضح أنه في ظل السوق الحرة العالمية والتي لا تفرض قيود على حركة رؤوس الأموال— والتي لم تطبق سوى منذ عدة عقود فقط (منذ عام 1980 تقريباً) — يهرول المدخرون والمستثمرون الأجانب إلى البلدان التي تقدم أعلى أسعار فائدة حقيقية. لا يمكنك النظر إلى الفروق في أسعار الفائدة الخام واستنتاج أن الأموال سوف تتدفق صوب البلد الذي يقدم أعلى سعر فائدة. حيث يسعى المستثمرون بالأساس خلف أسعار الفائدة الحقيقية، والتي تحتسب بعد خصم التضخم والتضخم المتوقع من الفائدة الاسمية. كما يرغب هؤلاء أيضاً في الدخول إلى أسواق تتمتع بسيولة كبيرة والتعامل مع حكومات توفر ضمانات بعدم تجميد أو مصادرة أموالهم، وأخيراً يبحث المستثمرون أيضاً عن الاقتصادات التي توفر فرص استثمارية متنوعة. وبالتالي يمكن القول أن القاعدة الأساسية في تدفق الاستثمارات العالمية هو توجهها صوب أسعار الفائدة المرتفعة مع الحرص على أن تكون تلك العوائد حقيقية فضلاً عن تقليل مخاطر الخسارة إلى أدنى حد ممكن.
يجب أن تعي أي دولة تسعى لجذب الاستثمارات وزيادة الطلب على عملتها أن المستثمرون لا يبحثون فقط عن أعلى معدلات العائد بل أيضاً يميلون إلى تفضيل البلاد التي تبدي بنوكها المركزية قدرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفع معدلات النمو والتي ترفع معها بالضرورة معدلات العائد على الاستثمار. ولهذا لا يعتبر الفرق الحالي في أسعار الفائدة هو العامل الوحيد في تخصيص الاستثمارات بل يمتد الأمر ليشمل الفرق المتوقع بين أسعار الفائدة في المستقبل.
ما هي أسعار الفائدة التي نقصدها؟
تفرض جميع البنوك المركزية سعر فائدة مرجعي قصير الأجل والذي يحدد الفائدة التي تتقاضاها عند إقراض البنوك التجارية أو عندما تقترض تلك البنوك من بعضها البعض لفترة ليلة واحدة. يطلق على هذا السعر المرجعي في الولايات المتحدة معدل فائدة الأموال الفيدرالية فيما يطلق عليه سعر الريبو في منطقة اليورو. هذه المسميات هي التي نستمع إليها عندما يعلن البنك المركزي عن تغيير في سياسته النقدية. ولهذا يحتاج جميع متداولي الفوركس إلى حفظ مواعيد الاجتماعات الهامة التي تعقدها البنوك المركزية.
يعتبر سعر الفائدة المرجعي لأجل ليلة واحدة هو الأساس الذي تستند إليه جميع أسعار الفائدة الأخرى في الاقتصاد. وكقاعدة عامة، كلما زادت الفترة الزمنية لأجل الإقراض/الاقتراض كلما زاد سعر الفائدة المطبق عليها. إذا نظرت إلى الرسم البياني لأسعار الفائدة ذات آجال الاستحقاق المتصاعدة ستبدأ من الجانب الأيسر مع سعر الفائدة لليلة واحدة ثم ترسم خط يمر على كل أجل استحقاق وصولاً إلى السندات التي تصل آجال استحقاقها إلى 20 أو 30 عام. يطلق على هذا الخط البياني منحنى العائد وهو ينحدر دائماً صعوداً ليعكس عدم اليقين من ارتفاع معدلات التضخم بشكل يتناسب طردياً مع طول الفترة الزمنية.
خلال عقد الثمانينات كان هناك ارتباط ملحوظ بين الفرق في أسعار الفائدة لأجل 10 سنوات بين ألمانيا والولايات المتحدة وهو ما انعكس على سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل المارك الألماني. تحرك معامل هذا الارتباط جيئة وذهاباً وخلال فترات الاضطراب التي شهدتها الأسواق المالية لجأ المحللون إلى النظر إلى الفرق في سعر الفائدة لأجل عامين في مسعى لتحديد سعر الصرف المناسب في سوق الفوركس. وكانت القاعدة تقتضي أن العملة ذات سعر الفائدة الأعلى لفترة عامين ستكون أكثر تفضيلاً وتحظى بطلب أكبر. ولكن لا يمكنك الاقتصار على سعر الفائدة لأجل ليلة واحدة أو لأجل 10 سنوات وحدهما في إصدار حكم حول العملة التي يفترض أن ترتفع أمام نظيرتها— بل ستحتاج أيضاً إلى النظر إلى المنحنى العام للعائد والكيفية التي يمكن أن يتغير بها نتيجة ما نعرفه حول الاتجاهات الحالية للبنوك المركزية سواء من زاوية التيسير أو التشديد النقدي.
واحدة من الألغاز المستمرة في سوق الفوركس حتى يومنا هذا هو أن الدولار في بعض الأحيان قد يتمتع بعائد أكبر على كافة نقاط منحنى العائد وبرغم ذلك يواصل اليورو الارتفاع، حتى برغم أن قاعدة الفرق في العائد الحقيقي تصب في كفة الدولار الأمريكي. لا يوجد تفسير منطقي لهذا اللغز إلا أن إحدى الإجابات المحتملة هو أن تركيز البنك المركزي الأوروبي بشكل حصري على السيطرة على معدلات التضخم باعتباره الهدف المعياري لإدارة السياسة النقدية يجعل المستثمرون يفضلون اليورو مقارنة بالمهمة المزدوجة التي يضطلع بها الاحتياطي الفيدرالي لتعزيز معدلات النمو والتوظيف وهو ما يجعلهم يتخوفون من أن يقبل ارتفاع معدلات التضخم لمستويات عالية لتحقيق هذه الأهداف.
ليست هناك تعليقات